الحرب في سوريا: القضاء الألماني يدين ضابطا سابقا في المخابرات السورية في جرائم ضد الإنسانية
حكمت محكمة ألمانية على ضابط مخابرات سوري سابق بالسجن أربع سنوات ونصف بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وتحدث الادعاء في محكمة كوبلينز في ألمانيا عن مساعدة الضابط السوري السابق إياد الغريب، البالغ من العمر 44 عاما، في اعتقال متظاهرين عام 2011، وتعرضهم لاحقا للتعذيب والقتل.
وتعد هذه أول محاكمة من نوعها بشأن أعمال وحشية منسوبة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.
كما يخضع للمحاكمة سوري آخر، وهو أنور رسلان، البالغ من العمر 58.
وكان الاثنان قد هربا من سوريا، وحصلا على حق اللجوء في ألمانيا، بيد أن السلطات ألقت القبض عليهما عام 2019.
ولجأ المدعون الألمان إلى تطبيق مبدأ "الولاية القضائية العالمية" الذي يسمح بمحاكمة مرتكبي الجرائم الخطيرة بغض النظر عن جنسيتهم ومكان حدوث الجرائم.
وقال محامو الدفاع، أثناء وقائع المحاكمة، إن الاثنين أُمرا بارتكاب الجرائم المنسوبة إليهما، ونفذا الأوامر خشية معاقبتهما في حالة عصيان الأوامر.
ولعبت المخابرات السورية، التي يقال إن الرجلين كانا يعملان لحسابها، دورا حاسما في قمع احتجاجات سلمية مؤيدة للديمقراطية، كانت اندلعت ضد نظام الرئيس الأسد عام 2011.
وتمثل المحاكمة، التي بدأت في أبريل/نيسان 2020، بالنسبة لبعض السوريين، فرصة نادرة لتحقيق العدالة لمجتمع شهد حدوث أعمال وحشية لا حصر لها.
وقال المحامي الحقوقي أنور البني لبي بي سي من ألمانيا: "هذه المحاكمة تمثل خطوة أولى نحو العدالة التي شعر بها الضحايا السوريون بالفعل".
ويقول البني، الذي ساعد المدعين في التحضير للقضية، إن أنور رسلان كان ألقي القبض عليه في العاصمة السورية دمشق، وصُدم عندما قابله لاحقا وجها لوجه في متجر في برلين.
وأضاف: "على الرغم من تركيز هذه المحاكمة على متهمين اثنين ... إلا أنها تستهدف الآلة الجهنمية للتعذيب والقتل (لنظام الرئيس الأسد)".
ما هي الاتهامات الموجهة إليهما؟
قال المدعون إن الرجلين كانا "تروسا في عجلة" تمكن آلة التعذيب الحكومية واسعة النطاق من العمل.
واتُهم إياد الغريب بنقل نحو 30 متظاهرا، عام2011، إلى سجن سيء السمعة في دمشق لتعذيبهم، أثناء خدمته في أقوى وكالة استخبارات مدنية في سوريا، إدارة المخابرات العامة.
وسلط محامو الدفاع الضوء على استعداده للتعاون مع السلطات الألمانية ومساعدتها في تقديم أدلة ضد أنور رسلان.
ويقول إياد الغريب إنه انشق عن نظام الأسد لمساعدة المعارضة ثم فر من سوريا عام 2013 ووصل إلى ألمانيا عام 2018.
ويُشتبه في تورط أنور رسلان في تعذيب نحو 4000 شخص خلال عامي 2011-2012، كما وُجهت إليه 58 تهمة بالقتل والاغتصاب والاعتداء الجنسي.
كما يواجه تهمة تتعلق بمسؤوليته عن سجن "الخطيب"، التابع لإدارة المخابرات العامة بدمشق، والمعروف باسم "الجحيم"، وإذا أُدين، فسوف يقضي عقوبة السجن مدى الحياة.
ماذا جاء في المحكمة؟
كشفت ساعات من إدلاء شهود بشهاداتهم عن آليات أعمال وحشية منسوب ارتكابها للنظام السوري.
ووصف شهود في المحكمة تعرضهم للضرب والركل حال وصولهم إلى سجن دمشق، وتحدثوا عن تعرضهم للاغتصاب والتعليق في السقف لساعات، وكيف قطع الجلادون أظافرهم وصعقوهم بالكهرباء، ثم صبوا عليهم الماء.
وتعد هذه القضية غير مسبوقة لمنح ضحايا التعذيب السوريين صوتا نادرا أمام محكمة قانونية.
وقال مارك سوموس، من معهد "ماكس بلانك" للقانون العام المقارن والقانون الدولي، لبي بي سي إن "قرار الأربعاء سيدخل كتب التاريخ".
وشملت الأدلة آلاف الصور التي سربها منشق عسكري معروف باسم "قيصر"، وقال سوموس إن "صور قيصر وغيرها من الأدلة على التعذيب المروع الذي تمارسه الدولة على نطاق واسع نوقشت علنا، وسوف يستمر التسجيل القانوني في مجموعة من القضايا مستقبلا".
ودأب نظام الأسد السلطوي على نفي الاتهامات بالتعذيب والإخفاء القسري لمئات الآلاف من الأشخاص.
وتحقق ألمانيا، بالإضافة إلى الرجلين، مع عشرات المسؤولين السوريين السابقين المتهمين بارتكاب أعمال وحشية.
لماذا تشهد سوريا حربا أهلية؟
قبل فترة طويلة من بدء الحرب، اتُهم الرئيس الأسد ووالده حافظ قبله بارتكاب التعذيب والفساد المستشري والقمع شبه الكامل للمعارضة.
بيد أنه عندما اندلعت انتفاضات معارضة لأنظمة حاكمة في شتى أرجاء المنطقة العربية عام 2011، قرر العديد من السوريين أنهم يريدون أيضا تغييرا ديمقراطيا.
ونزل الآلاف إلى الشوارع وانشق العديد من القادة العسكريين للانضمام إلى صفوف الثورة، وردت الحكومة بقوة ساحقة، وأمرت الجنود بإطلاق النار على المتظاهرين واعتقالهم.
تصاعدت المعركة بين المحتجين وقوات الأسد إلى صراع مسلح، وازداد الأمر تعقيدا عندما تسللت جماعات جهادية تنتهج العنف، من بينها ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية، إلى الاحتجاجات السلمية.
وأسفر الصراع، بعد 10 سنوات، عن مقتل ما يربو على 360 ألف شخص، ولجوء نحو ستة ملايين شخص إلى دول في الخارج، ونزوح نحو ستة ملايين آخرين داخليا، في حين يعاني من اختار البقاء من أزمة اقتصادية.
ويسيطر الأسد حاليا على المدن الكبرى، بيد أن جماعات المعارضة المسلحة تسيطر على جيوب مختلفة.