ماكرون يعبد طريقه للعهدة الثانية بملفات "ثورة الجزائر"
وكان المؤرخ الفرنسي ستورا أول من أدرج قضية على بومنجل في تقريرٍ رسمي، سلمه إلى قصر الإليزيه في إطار مشروع كتابة الذاكرة الذي تم الاتفاق عليها بين الجزائر وفرنسا (المؤرخ الجزائري مراد شيخي، لم ينتهي إلى غاية الآن من كتابة التقرير الجزائري في هذا الإطار).
من جهة ثانية، وضع الباحث في التاريخ الجزائري جمال يحياوي، تصريحات ماكرون في خانة "اللعبة السياسية".
وقال يحياوي لـ"سكاي نيوز عربية": "الاعتراف متأخر وهو مجرد مناورة سياسية، تطفوا على السطح كلما ارتفع سقف الحديث عن الذاكرة بين الجزائر وفرنسا واقترب موعد الانتخابات في فرنسا".
وأكد يحياوي أن ماكرون يسعى من خلال هذه التصريحات لكسب أصوات المهاجرين الجزائريين البالغ عددهم أكثر من 7 مليون جزائري يقيمون اليوم في فرنسا، ويتمتع البالغون منهم بحق التصويت في الانتخابات الرئاسية الفرنسية بصفتهم مواطنون فرنسيون.
وتتجه الأنظار في فرنسا إلى الانتخابات الرئاسية المقررة في 2022، والتي يأمل من خلالها ماكرون الفوز بعهدة رئاسية ثانية، وألا يخرج كما خرج سابقيه نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند بعهدة واحدة.
ومن المرجّح أن يواجه ماكرون في هذا السباق زعيمة اليمين المتطرّف مارين لوبن، وهو ما الأمر الذي يجعل منه بحاجة أكثر لأصوات المهاجرين وأبناءهم.
ويجمع المؤرخون في الجزائر على أن هذه الخطوة الجديدة التي جاءت على لسان ماكرون ليست أكثر من "طعم رمت به الإدارة الفرنسية لجس نبض الطرف الجزائري.
وقال الباحث يحاوي: "لا نحتاج لمثل هذه الاعترافات المتأخرة، الكل يعلم في الجزائر أن المستعمر الفرنسي قام بتصفية عدد كبير من الجزائريين وخاصة المناضلين، ولكن فرنسا ترفض الخوض بشكل جاد في المسألة الحقيقة التي تتعلق بالذاكرة".
يذكر أن الحقوقية فضيلة بومنجل شيتور، نددت الشهر الماضي بمحاولة باريس التغطية على جريمة قتل عمّها بومنجل، ووصفت أسلوب فرنسا في التعامل مع الموضوع طيلة 64 عاما بـ"كذب الدولة الهدّام".
أقر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بـ"اسم فرنسا"، أمام أحفاد المحامي والزعيم الوطني الجزائري علي بومنجل، بقيام بلاده بجريمة تعذيب قتل جدهم علي بومنجل، على أيدي الجيش الفرنسي عام 1957.
أعلنت الرئاسة الفرنسية في بيان، الثلاثاء، عن استقبال رسمي قام به ماكرون لأربعة من أحفاد علي بومنجل، وذلك لتصحيح الرواية الفرنسية التي روجت لها بلاده قبل 64 عاما للتغطية على الجريمة التي ارتكبتها في حق الزعيم الوطني الجزائري، وقالت كذباً أنه انتحر.
وكموقف ثابت للدولة الفرنسية، فقد تجاهل ماكرون فكرة الاعتذار، واكتفى بالاعتراف، وهو الأمر الذي يصب في واد مقترحات تقرير المؤرخ الفرنسي بنجمان ستورا الذي تجاهل فكرة اعتذار بلاده للجزائر عن الجرائم التي ارتكبت طوال 132 سنة من الاحتلال.
في هذا الإطار قالت ابنة أخ بومنجل، الحقوقية فضيلة شيتور: "لقد انتصرنا في الحرب، ولسنا طلاب اعتذار، على الفرنسيين الفخورين والمقتنعين بإنسانية وحضارة وعظمة أمتهم أن يطلبوا من فرنسا الاعتذار للجزائر".
واستغل قصر الإليزيه هذه المناسبة للتأكيد على فكرة "التهدئة والمصالحة والاعتراف ببعض الحقائق" عن طريق تشجيع المؤرخين وجمع الشهادات، ومنح عائلات جميع المفقودين على ضفتي البحر الأبيض المتوسط الوسائل لمعرفة الحقائق.
ملهاة بعد اعترافات أوساريس عام 2002
ورغم محاولة الجانب الفرنسي التسويق لهذا الاعتراف باعتباره "حدثا تاريخيا"، إلا أن الباحثين الجزائريين أكدوا على أن تصريحات ماكرون ليست أكثر من "سخافة وملهاة سياسية".
وقال بالمؤرخ منتصر وأبترون لـ"سكاي نيوز عربية": "ماكرون اختار الحديث عن هذه النقطة من بين 25 اقتراحا قدمه المؤرخ ’الرسمي‘ للدولة الفرنسية بنجامين ستورا، وبهذا الأمر لا يقدم أي جديد، سواء للجزائر وأو للإنسانية، فقضية اغتيال فرنسا لبومنجل معروفة وقد سبق وأن تحدث عنها بالتفصيل المعني بالأمر الجنرال بول أوساريس في مذكراته".
ويأتي هذا الاعتراف بعد 19 عاما على إصدار الرئيس السابق للاستخبارات الفرنسية بالجزائر الجنرال الفرنسي المتوفي بول أوساريس (1918-2013) لمذكراته الموسومة بـ"خدمات خاصة، الجزائر 1955، 1957"، عام 2002، والتي شرح فيها بشكل مفصل كيف قامت فرنسا بتعذيب واغتيال عدد من رموز الثورة على غرار بومنجل وقائد جبهة التحرير الوطني الجزائري العربي بن مهيدي.
وعلى إثر إصداره للكتاب، أدانت العدالة الفرنسية أوساريس عام 2004، بغرامة قدرها 7500 يورو بتهمة "الاعتذار عن التعذيب"، وقد صدر الحكم ضده بصفته جنرال متقاعد، وهو الحكم الذي وصفه محاميه غيلبرت كولارد بـ"الجائر"، بينما رد أوسارس عليه قائلاً: "ليس لدي أي ندم".
وتزامن صدور بيان الإليزيه حول بومنجل مع الذكرى الـ64، لاستشهاد العربي بن مهيدي (4 مارس 1957)، وهو اليوم التي يحلينا في كل مرة إلى مسألة الذاكرة والاعتراف الفرنسي بالجرائم التي ارتكبتها في حق الجزائريين.
وينظر المؤرخون الجزائريون إلى عام 1957 كعام بارز في تاريخ الثورة الجزائرية، عرف أبشع أنواع عمليات الاختطاف والقتل للنشطاء والمجاهدين الجزائريين من قبل المستعمر الفرنسي، كما تشير الأرقام الرسمية إلى أن عدد المفقودين الجزائريين في العاصمة خلال الفترة الممتدة من (فبراير ومارس 1957)، تجاوزت 3024 عملية اختطاف لجزائريين لا يعرف مصيرهم إلى غاية اليوم.
وحسب التقارير الرسمية، فقد أصدر المحافظ العام للشرطة الفرنسية بالعاصمة بول تيتجن، أوامر توقيف لعدد كبير من الجزائريين، وهو ما أشر إليه مؤلفي الكتاب (الكراس الأخضر للمفقودين) لبيير فيدال نوكيه عام 1959، والذي شارك في إعداده أبرز المحامين الفرنسيين في تلك الفترة وعلى رأسهم صديق الثورة الجزائرية جاك فيرغيس.
وقد كان بومنجل محاميا وناشطا في حزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، الذي أسسه في 1946 أول رئيس للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية فرحات عباس. واعتقل بومنجل خلال معركة الجزائر العاصمة عام 1957، بعد تدخل القوات الخاصة للجيش الاستعماري لوقف هجمات جبهة التحرير الوطني.
طبخة سياسية أم رد على تبون؟
وصدر بيان الإليزيه بعد يوم واحد من تصريحات تلفزيونية للرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون، قال فيها: "العلاقات الجزائرية الفرنسية "طيبة"، ولكن لا يمكن أن تكون أبدا على حساب التاريخ والذاكرة، أو ما ارتكبه المستعمر من جرائم، الشعب الجزائري لن يتخل أبدا عن الذاكر".