النائب السابق الكسندر ماطوسيان : لماذا لم ترفع المصارف دعوى على الدولة اللبنانية ؟
ماطوسيان يتخوف من أن يكون إفقار البلد مقصودا
"الله يسترنا" هكذا يستهل النائب السابق عن مقعد الأرمن الأرثوذكس في بيروت الأستاذ الكسندر ماطوسيان كلامه رداً على سؤال عن أحوال البلد راهناً.
لا يمنعه تفاؤله الدائم، وتمسكه بالأمل رغم كل الظروف، من أن يكون واقعيا في وصف "الأحوال الصعبة جدا التي نعيشها". لا يغيب عن باله أن "جزءاً من مشاكلنا له أسباب خارجية. ولكن قوتنا هي في الأستفادة من الخارج وترسيخ علاقاتنا وفتح مجالات إيجابية للبلد عوض الإكتفاء بما ياتينا سلبا".
عن التغيير الذي كان منتظرا من الانتخابات يجيب " اثبتت الانتخابات أن الحل ليس بتغييّر الأشخاص، إنما بتغيير النهج والذهنية والمنطق الذي يُدار به البلد. على اللبناني أن يغيّر طريقة تفكيره. كيف يمكن أن نبني وطنا إذا كانت عقلية تجاوز القانون والتشاطر عليه موجودة دائما؟ على اللبناني الذي يقول أنه يحب أرضه ووطنه يحسم خياره ويباشر ببناء دولة. وكل شخص مسؤول عن بناء هذه الدولة وليس فقط السلطة".
هل التعطيل مقصود؟
يضيف ماطوسيان" السلطة مسؤولة عن تطبيق القانون ووضع الخطط والمشاريع ، أقله لخمس سنوات وصولا الى 20 و25 سنة. وحتى أحيانا لأجيال قادمة. مع الأسف، نحن لا نملك لا خطة ولا رؤية لسنة قادمة. الأسباب كثيرة لكن المواطنين شركاء في تحمّل المسؤولية عن هذا الوضع، من دون أن أخفف من أثر غياب الاستقرار السياسي والإجتماعي ومسؤولية الدولة". ويقول "ان كل المؤسسات اليوم تعمل بالحد الأدنى من القضاء الى القوى الأمنية وصولاً الى دوائر الدولة المغلقة". ويسال "كيف يمكن للدولة أن تجبي الأموال اذا كانت دوائرها معطّلة؟ هل ما يحصل مقصود لجرّ البلد الى إنفجار اجتماعي أو أمني؟ هل من يريد إفقار البلد حتى يشتريه على الرخيص؟".
التمسك بالأمل
يتمسك ماطوسيان بإيمانه بلبنان "ولو أحيانا أشعر بالقرف من الوضع العام الذي يجعلنا نهدر الوقت والطاقة على أمور يفترض أن تكون بديهية".
ومع ذلك يؤكد " باستطاعتنا النهوض بهذا البلد اذا تحمّلت الدولة مسؤولياتها ووضعت خطة عمل واعتمدت خطوات اصلاحية ضرورية تعزز الثقة بالبلد وتجذب الاستثمارات". صحيح أن بلدنا ليس مفلساً، لكن علينا الإستفادة من ثرواتنا من خلال حسن إدارتها والعمل من أجل المصلحة العامة وخزينة الدولة وليس للمصالح والجيوب الخاصة". ويلفت الإنتباه الى "أن من مسؤولية الدولة الاهتمام بالناس المهمشين والفقراء المحتاجين. لكن من أين تاتي الدولة بالمال؟ من الضرائب والرسوم والقطاعات والمرافق الحيوية التي تتولاها وتديرها وتغذي خزينتها، وليس من خدمات يقدمها نائب أو وزير. هذه رشوة مرفوضة من مسؤولية الدولة تأمين الكهرباء والمياه والطرقات والطبابة وضمان الشيخوخة.
يراهن ماطوسيان كثيرا على "الإعلام بمختلف وسائله ليكون مفتاح التغيير الأول نظرا لقدرته الكبيرة على التأثير في الناس وتوجيه الرأي العام وباستطاعته أن يبادر و يعلب دورا إيجابيا في التغيير ورسم الخطوط العريضة لصورة الوطن الجديدة . لا بد من المبادرة ورسم مسار يساعد البلاد على النهوض، والخطوة الأولى تبدأ بتغيير المفاهيم السائدة حاليا " .
ركائز الإصلاح
يملك ماطوسيان الكثير من الأفكار لوضع البلد على سكّة النهوض. منها أفكار كبيرة وأخرى تبدأ بخطوات بسيطة . يقول مثلا "يمكن البدء بخطوات عملية تمنع ما يسمى الرشوة التي نعاني منها وتحويلها الى رسوم شرعية تصب في خزينة الدولة وليس في حساب أشخاص وكخطوة أولى يجب إلغاء الطوابع التقليدية التي تترك الباب مفتوحا أمام التزوير والرشوة واستبدالها بالطوابع الإلكترونية التي تكفل دخول الضريبة مباشرة إلى خزينة الدولة ".
يضيف" لا بد من أن يلعب القطاع الخاص الدورالأبرز في عملية استعادة الثقة بالبلد واطلاق عجلة الاستثمار ويعتمد مسار إصلاح الدولة على أربعة ركائز أساسية هي القضاء ، القطاع المصرفي ، الاحتياط ، قطاعات الإنتاج من الصناعة والزراعة والسياحة. ويرتبط الاستثمار الى حد بعيد بحالة القضاء لأنه يوجد صلة وثيقة بين نزاهة القضاء وجذب الاستثمارات فالقضاء هو أساس الدولة وعليه تتوقف ثقة المستثمر لذلك علينا التوصل إلى قضاء مستقل ونزيه يحفظ حقوق الناس . وفي هذا السياق يُفترض اعطاء القضاة موازنة مفتوحة كمال هي الحال في انكلترا لضمان استقلاليتهم ونزاهتم وعدم قبولهم الرشوة.
في هذا الاطار تأتي أيضا ضرورة اصلاح أجهرة الأمن في الدولة ، ويكون لها موازنة كافية تجنب عناصرها الحاجة ، وتحصنهم ضد الرشوة ، على أن يترافق ذلك مع إعادة تأهيل عناصر قوى الأمن بحيت يصبح رجل الأمن مثلا أكثر دقة والتزاما في احترام القانون وتطبيقه" .
المصارف، "الكابيتال كونترول"، و"الهيركات"
أما بالنسبة للقطاع المصرفي فيشرح الأستاذ ماطوسيان مفهوم الكابيتال كونترول الذي يعني منع خروج رؤوس الأموال الموجودة في المصارف إلى الخارج . وكان يفترض أن يأتي هذا القرار بعد فترة قصيرة جدا من بداية الأزمة الاقتصادية كما حصل في قبرص ومصر حيث طبق بعد شهر واحد من بداية الأزمة. أما في لبنان فلا تزال تسمح المصارف حتى اليوم وبعد سنوات من عمر الأزمة بخروج رؤوس الأموال إلى الخارج. والكابيتال كونترول يجب ان يطبق دون المس بالاقتصاد اي أن يسمح بإخراج كمية محددة من العملة الصعبة من أجل الاستيراد وإنما بنفس الكمية التي كانت تستورد قبل الأزمة على أن تخضع هذه العميلة للمراقبة خلال التطبيق من قبل الجمارك وأجهزة الدولة. ولكن هذا لم يحدث في لبنان وهنا الشك في وجود تواطؤ بين الدولة والقطاع المصرفي لعدم تطبيق الكابيتال كونترول.
يقول ماظوسيان "ان من أهم الخطوات أيضا في طريق اصلاح الدولة هو تطبيق مبدأ الاحتياط في المصارف والذي يقضي بأن يصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تعميما يلزم فيه المصارف بتأمين 80 % احتياط للودائع وهذا ما سيجبر المصارف على استعادة الأموال المحّولة الى الخارج من أجل تأمين الودائع وبالتالي هذا يعني أن 80% من أموال المودعين ستعود إليهم. تقلل هذه الخطوة من وجود عدد كبير من المصارف في لبنان وتؤدي الى دمج المصارف ببعضها أو بيعها لأن ما أدى الى الطفرة في المصارف هو تحديد احتياط الودائع ب 15% فقط بالوقت الذي يجب أن يصل أقله الى 50% أي أن الثقة بالقطاع المصرفي لم تكن في محلها وكانت مبنية على الفوائد المرتفعة وتدفق الأموال من الخارج ومبدأ السرية المصرفية التي ألغته معظم الدول . وهنا يتبادر الى الأذهان سؤال مهم : المصارف اللبنانية اقرضت الدولة اللبنانية والدولة لم ترد الدين بل هدرت الأموال فلماذا لم ترفع المصارف دعوى قضائية على الدولة وتصادر أملاكها واستثمارتها حتى تتمكن من استفاء الدين و استرداد الاموال واعادتها الى المودعين ؟ هذا يشير الى وجود تواطؤ بين الدولة والقطاع المصرفي".
قطاعات الإنتاج
يشدد الأستاذ ماطوسيان على أن " المرحلة الصعبة التي نعيشها تتطلب ضرورة تنشيط قطاعات الإنتاج وفي طليعتها الصناعة والزراعة. فمع أهمية السياحة بالنسبة الى لبنان لكن لا يجب الافراط في الاتكال على السياحة بشكل أساسي لأننا نعيش في منطقة غير مستقرة وغيرآمنة. ويمكن تشجيع الصناعة والزراعة عن طريق السماح باستثمار أراضي الدولة المتروكة من خلال اعطاء تراخيص بانشاء مصانع والسماح بزراعة الأراضي العامة على أن تستوفي الدولة ضرائب ورسوم ترفع مستوى عائداتها و تزيد مداخيل الخزينة العامة فلا نضطر الى الاستدانة من البنك الدولي لأن حاجة البلد هي أكبر بكثير من الأموال التي قد تقرضنا إياها هذه الجهات والتي تصل الى 3 مليارات دولار بينما الحاجة عمليا هي الى 30 مليار دولار."
ويرى الاستاذ الكسندر أن لايمكن النهوض دون دور فاعل وأساسي للقطاع الخاص الذي باستطاعته، إن اتيحت له الفرصة، إحياء الاقتصاد وإخراج البلد من الأزمة الراهنة لأن اللبنانيين شعب نشيط يحب العمل ولكن كل شي يتوقف على الدولة التي عليها وضع الثقة بالقطاع الخاص من أجل البلد. وهنا مطلوب من السياسسين الصمت وترك القطاع الخاص يعمل ، فتزداد إيرادات الدولة ومداخيل الخزينة ويتم اجتياز المرحلة الصعبة التي يعيشها الوطن ورسم صورة لبنان الجديد الذي يجدر بنا تركه لأولادنا بأفضل حالة ممكنة تعطيهم الثقة بمستقبل أفضل ".