دار الصداقة بإشراف الأب طلال تعلب.... مؤسسة إنسانية رائدة... هذا البلد خلق لكي يبقى
ما أن يحييك "الأبونا طلال" بابتسامته اللطيفة الودودة، حتى تشعر أنك دخلت في عالماً مقدساً من الإنسانية السمحة، والعطاء غير المحدود. رجل دين بكل ما تعنيه الكلمة من تقديس للعمل الإنساني، وممارسة جوهر الدين المتمثل في المحبة والخير المطلق، تعالوا لنتعرف على هذا الأب السموح النشيط ،
كل ذلك اتى ليؤكد مانسمعه في لقاءاتنا وزياراتنا لعروس البقاع "زحلة" وقرى الجوار عن شخصية ايجابية لاتعرف اليأس، وُجدت الجميزة عنده لكي يصعد عليها ويجد حلاً للمشكلة، التربية عنده أساساً لمستقبل جميل، والمدرسة المهنية أبوابها مفتوحة للجميع دون السؤال عن كيف وكم يجب أن يدفع الأهل. وقرية الصداقة مكان مثالي لكل طفل اعترضته صعوبات في الحياة، وهذا ما زاد اندفاعنا لكي نزوره ونلتقيه.
في رحلة قصيرة عبر هذه السطور:
بطاقة تعريف
بدلاً من أن يعرف بنفسه، يفضل الأب طلال تعلب استعراض مسيرة "دار الصداقة" التي تعنى بتقديم المساعدة للفئات المهمشة والمتعَبة في المجتمع: فهي مؤسسة تتبع لـ"دير المخلص" في جون. وقد حملت الدار منذ تأسيسها قبل أربعة عقود حتى اليوم، الهم الاجتماعي لأبناء المنطقة، لتكون إحدى بوابات الرسالة المخلصية في بعدها الاجتماعي، لتشكل إضافة نوعية إلى ما تقدمه الرهبنة المخلصية على الصعيد الروحي.
وللدار "أخت كبيرة" إن صح التعبير هي "دار العناية" في منطقة شرق صيدا، التي تعنى بالفئات المهملة اجتماعياً.
أما انطلاق الدار فكان من منطقة "حوش الأمراء" في مدينة زحلة، على يد الأب (المطران) الراحل أندريه حداد، والأب حنا سليمان، لتصيرمع الأب (المطران يوحنا عصام درويش) قريةً صغيرة في "كسارة"، وتأخذ بعداً اجتماعياً وتربوياً عميقاً ، ساهمت في تنشئة وتخريج المئات من الشبان والفتيات ليكونوا في خدمة المجتمع، داخل وخارج لبنان، وبرزا في أماكن واختصاصات كثيرة. ويشرف على حسن سير العمل في الدار ما يقارب العشرين موظفاً، كما يتم الاستعانة باختصاصيين نفسيين واجتماعيين حسب الحاجة.
وتقوم فكرة المشروع على تقسيم الأطفال على منازل معينة يشرف على الاهتمام بها مجموعة من المربيات والمربين يتمتعون بمستوى راقٍ من الإعداد الفكري والتربوي التي تتماشى مع طبيعة العصر الحاضر.
ويؤمن الدار الخدمات لـ135 مستفيداً داخلياً أو خارجياً، وقد تكيفت هذه الخدمات خلال العام الماضي مع الظروف التي فرضها التباعد الاجتماعي الناتج عن فايروس "كورونا".
ويتضمن الدار قسماً للإقامة الداخلية، يضم الأيتام وذوي الحاجات الاجتماعية بدءاً من سن الرابعة، حتى سن الخامسة عشرة، الذين يتابعون تعليمهم في مدارس المنطقة، بتغطية كاملة من الدار وبالتعاقد والتعاون مع الوزارة ، كما يتم إلحاق الراغبين باكمال دروسهم المهنية في معهد دار الصداقة الفني في الفرزل. والذي يشرف عليه ويعلّم فيه حوالي ال 40 ادارياً ومعلماً . ويدرّس فيه اختصاصات كثيرة تناسب حاجات العصر وسوق العمل. وتعمل ادارة الدار على انشاء علاقات كثيرة مع مؤسسات وجمعيات محلية وأجنبية بهدف تطوير مناهجها، ومساعدة التلاميذ في دراستهم تربوياً ومادياً ومعنوياً.
أما قسم الأحداث الذي يضم المراهقين بين 14 و18 عاماً، فالأولوية تتمثل في حمايتهم من الانحرافات الاجتماعية في هذه السن الخطرة، إضافة إلى العمل على تأمين ما أمكن من حاجاته.
كل ذلك ضمن رؤية تسعى إلى دمج الأطفال في المجتمع، وتقديمهم للمجتمع كأشخاص لهم قيمتهم ودورهم الفعال.
ومع اتساع دائرة المعاناة في المجتمع، توسع دور الدار ليشمل الحالات الاجتماعية الصعبة بمختلف تجلياتها
بالاضافة الى الندوات والمحاضرات التي تنظمها دار الصداقة بهدف التوعية والتربية، والتحفيز على الخدمة المجتمعية. .
كما تهتم الدار بالنساء المعنفات ، بما يساهم في تخفيف معاناتهن.
ويعمل الدار على دمج هؤلاء النسوة والتوظيف الأمثل لطاقاتهم، من خلال دمجهن في دورات متعددة الاختصاصات بحسب ميولهن، بما يؤمن دمجهن الناجح في سوق العمل.
هنا، يناشد الأب طلال تعلب وزارة الشؤون الاجتماعية المزيد من القيام بدورها في دعم المؤسسات الاجتماعية،فالدولة هي المسؤولة اولا عن ابنائها وعن حمايتهم وتعليمهم. رغم اعترافه بصعوبة المهمة نظراً لدقة الظروف التي تمر بها البلاد: ، وهو يشدد بأن دورهم يبقى سنداً للدولة وليس بديلاً عنها.
ويستمد الدار قوته واستمراريته أولاً من الطاقة الروحانية للعطاء، وشفاعة القديسين، كما يشدد على ذلك الأب طلال، إضافة إلى دعم المؤمنين برسالتها من زحلة وخارجها.
ويتوجه الأب تعلب بالشكر أولاً من سيدة زحلة التي كانت ولا تزال، كما يؤكد، تعمل على إلهام الناس الخيرين للعطاء، إضافة إلى "دير المخلص، الدير الأام للرهبانية المخلصيّة الذي يقف مع والى جانب الدار دوماً. ".
ويشيد بطيبة الزحلاويين ونخوتهم وكرم أخلاقهم، إضافة إلى العفوية اللافتة التي يمتازون بها.
ويختم االأبونا طلال كلامة بنفس متفائل منطلقاً من التحديات التي نجح لبنان في اجتيازها سابقاً، والتي تحتم نجاحه في تخطي ما يمر به حالياً، ومن عبقرية أبنائه، واصفاً اياه بطائر الفينيق الذي ينهض من الموت للحياة، ومن ايمان شعبه بأن القيامة آتية لا محالة. فهذا البلد "لن يموت"، داعياً إلى إغلاق أبواب اليأس والإحباط في وجه الشعب اللبناني الجبار. .